قصة الاعرابي

موقع أيام نيوز

جاء أعرابي إلى أحد الولاة يشكو سوء حاله وكثرة عياله، إذ إن زوجته قد ولدت حديثًا، وليس لديه ما يطعمها أو يطعم أطفاله. فقال له الوالي: "لقد قټلك الفقر! اذهب إلى قاضي القضاة واشتكي إليه الفقر، فهو سينظر في أمرك".
احتار الأعرابي بين أن يذهب إلى القاضي كما أمره الوالي أو يعود خالي اليدين، لكنه قرر المضي إلى القاضي. وعندما دخل مجلس القضاء، وجده مكتظًا بالناس، فتردد في رفع شكواه. لكن القاضي لمحه وسأله: "ما شأنك أيها الرجل؟"

تلعثم الأعرابي ثم بدأ يشكو حاله وحال زوجته وعياله، وروى ما قاله له الوالي. ضحك الحاضرون وسخروا منه، وقالوا: "إنما أراد الوالي التخلص منك."
لكن كاتب القاضي، الذي لم يشارك في الضحك، نظر إلى الأعرابي وأومأ له بشيء، ما جعل الأعرابي ينتظره حتى فرغ من عمله ذلك اليوم. اقترب الأعرابي من الكاتب وأخبره بما جرى، فقال له الكاتب: "اعترض للقاضي في الصباح وهو في طريقه إلى مجلس القضاء، فلعل قلبه يلين لك ويرحم حالك."
فعل الأعرابي ما أوصاه به الكاتب، إلا أن القاضي زجره وقال: "أتعبث في القضاء؟ إننا هنا نقضي بين المتخاصمين، فأين خصيمك؟ إما أن تمضي أو أسجنك حتى تعود إلى رشدك!"
خرج الأعرابي مكسور الخاطر، فلما رآه الكاتب عرف ما جرى من وجهه. سأله: "ما قال لك القاضي؟" فأخبره بما قاله القاضي وتهديده له بالسجن. عندئذٍ قال الكاتب: "القاضي لم يذق الفقر أو يعرف العوز، لكنه متزوج من امرأة فقيرة الأصل، وهي أدرى بما يعانيه الفقراء. لو شكوت لها، ربما استطاعت التأثير عليه. فهي تعلم ما تمر به المرأة عند الولادة من ألم وفاقة."
رد الأعرابي: "وهل يسمع القاضي كلامها؟"
قال الكاتب: "توكل على الله واسأله أن يلين قلبها فتؤثر فيه."
ذهب الأعرابي إلى زوجة القاضي وشكا لها حاله وكثرة عياله وفقره، وذكر أن زوجته نفساء ولا يجد ما يقيم حالها. استمعت إليه بصمت، ثم قالت له: "ائتِ بجملك غدًا صباحًا واعقله عند باب مجلس القضاء، ولا تعرض له حتى يناديك."
في الصباح جاء الأعرابي وعقل جمله عند الباب، وتوارى عن الأنظار. وعندما وصل القاضي ورأى الجمل، تذكر حديث زوجته معه في الليلة السابقة.
دخل القاضي مجلس القضاء، وبعد انتصاف النهار ازدحم الناس حوله، فنادى: "أين صاحب الجمل؟" قام الأعرابي إليه، فقال القاضي: "تجاهلناك لنختبرك. فمن اشتد به الحال يلح في السؤال. قد حكمنا لك بما يحمله جملك من أرباع الشعير والزيت والتمر والزبيب، وبما تحمله أنت من كساء."
فرح الأعرابي وشكر القاضي وخرج من المجلس. عند باب المجلس، علّق رقعة كتب عليها أبياتًا قال فيها:
أقاضٍ ولا تمضي أحكامه
وأحكام زوجته ماضية
ولا يقضي حكمًا إلى مدّعٍ
إذا لم تكُ زوجتهُ راضية
فحازت هي العدل في قولها
وألقت بظلمه في الهاوية
فمن عدلها أنها أنصفت
فقيرًا من الفقر في البادية
فيا ليته لم يكن قاضيًا
ويا ليتها كانت القاضية

تم نسخ الرابط